تجلى في قمة الزعماء بشأن المناخ التي دعا إليها الرئيس الأميركي جو بايدن العناصر المعتادة في الاجتماعات البيئية الدولية. فقد حضر القمة التي انعقدت بين يومي 22 و23 أبريل المنصرم زعماء دول من اليابان إلى جنوب أفريقيا وبذلوا وعوداً بتقليص انبعاثات بلدانهم من الكربون. وكان هناك وزراء ومبعوثون خاصون، جميعهم يروجون لمبادرات جديدة صديقة للبيئة. وكان هناك نشطاء يحثون الجميع على بذل المزيد. لكن كان هناك جمهور آخر يحمل تعهدات ودعوات إلى العمل وهي جماعة جديدة وبعيدة نوعاً ما عن الاهتمام بالسياسات الخضراء. وتمثلت هذه الجماعة في الممولين.
وكان دورهم في القمة علامة جديدة، بحسب قول كثير من خبراء المناخ بأن الذين يسيطرون على أموال القطاع الخاص في العالم من رؤساء البنوك التنفيذيين إلى مدراء الأصول إلى المستثمرين المشاهير يتحركون ببطء نحو قلب معركة العالم ضد تغير المناخ. وصرحت «جين فريزر»، الرئيسة التنفيذية لمجموعة «سيتي» المصرفية العملاقة أثناء جلوسها إلى الطاولة إلى جانب الرئيس التنفيذي لـ«بنك أوف أميركا» ورئيسة وزراء نيوزيلندا قائلة «يسعدني رؤية قطاعات مختلفة من المؤسسات تشارك اليوم. حل مشكلة تغير المناخ سيتطلب أقصى شراكة بين القطاعين العام والخاص».
وتقدمت البنوك والمستثمرون بتعهدات بضخ أموال كبيرة. وكان «بيل جيتس»، قد أعلن خططاً لتقليص تكلفة التكنولوجيات الخضراء الصاعدة. وكانت شركة «مبادرات انفراجة الطاقة»، التي أسسها جيتس قد جمعت بالفعل مليارها الثاني من الدولارات لدعم الابتكارات التي تتصدى لتغير المناخ. وأعلنت عشرات البنوك عن تحالف مصرفي جديد خاص بـ «صفر صافي». وهذا جزء من مجموعة جديدة أكبر وهي «تحالف جلاسجو المالي من أجل صفر صافي» تعهدت باستخدام 70 تريليون دولار من أصولها لمساعدة انتقال العالم إلى «صفر صافي» من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2050. وهذا يأتي بالإضافة إلى مجموعة من تعهدات القطاع الخاص قدمها قبل القمة.
ويعتقد خبراء سياسة المناخ أن كل هذا ضروري لكي يكون هناك أمل في تقييد تصاعد درجات حرارة العالم بحيث لا يزيد على درجتين مئويتين، وهو الهدف الذي حدده اتفاق باريس عام 2015. وتؤكد بيلا تونكونوجي، المسؤولة في مبادرة سياسة المناخ وهي منظمة استشارية، أن القطاع الخاص أساسي في تحقيق الأهداف المناخية. وهذا لأن معالجة تغير المناخ ستتكلف مبالغ مالية كبيرة. فالأمم المتحدة تشير إلى أن رأس المال الإضافي المطلوب لتمويل تخفيف حدة تغير المناخ والتكيف معه مازال يتراوح بين 1.6 و3.8 تريليون دولار في العام، أي أكثر بكثير مما يستطيع تحمله القطاع العام.
وصرح جون كيري، المبعوث الأميركي الخاص بشأن المناخ في القمة أنه «لا توجد حكومة في العالم لديها ما يكفي من المال والقدرات لتحقيق الانتقال. وفي نهاية المطاف، ستحدد الطريقة التي تعمل بها الحكومات والمؤسسات المالية الدولية ومقدمو رأس المال من القطاع الخاص نتيجة هذا التحدي بالفعل». صحيح أن مطالبة التمويل الخاص بالمساعدة في التحرك ضد تغير المناخ ليست جديدة، لكن التعهدات في الآونة الأخيرة تعكس ما يرى البعض أنه يمثل تحولاً كبيراً. وذكر ساشا ماكلر، مدير مشروع الطاقة في «مركز سياسة الحزبين» البحثي، أن «هناك حماساً واهتماماً متزايدين من مستثمرين من جماعات التمويل وصناعة الطاقة والبنوك». وأشار خبراء إلى أن هذا لا يرجع إلى أن المؤسسات المالية قررت فجأة، في نزوة، أن تهتم الآن بالمناخ بل هناك مجموعة من العوامل- من تحليلات المخاطر الجديدة إلى التفاؤل بشأن العائدات المحتملة من الاستثمار المتعلق بتغير المناخ- قد اقنعت البنوك أن نشاطهم الاقتصادي يعتمد على دعم التصدي للمناخ.
وفريق بايدن يؤكد منذ شهور أن الاستثمارات في صناعات متعلقة بتغير المناخ- من الكهرباء النظيفة إلى تكنولوجيات التخلص من الكربون- قد يكون لها عوائد مالية كبيرة، وخاصة مع الأخذ في الاعتبار مسعى الإدارة في الإنفاق العام لتحفيز الانتفال.
والمؤسسات المالية ترى أيضاً بشكل متزايد الأثر السلبي لعدم التصدي لتغير المناخ. ففي وقت متأخر من العام الماضي، ذكر بنك «الاحتياط الفيدرالي» الأميركي لأول مرة أنه سيجعل تغير المناخ ضمن المخاطر المادية في تحليل استقرار القطاع المصرفي للبلاد. ورددت «جانيت يلين»، وزيرة الخزانة الأميركية، هذا النهج في الآونة الأخيرة قائلة إن وزارتها ستعمل مع البورصة لوضع معايير تسجيل موثوق بها ويمكن مقارنتها ومتسقة تكشف من خلالها المؤسسات مخاطرها المتعلقة بالمناخ بالطريقة نفسها التي يتعين بها عليها تقديم كشف مالي.
ويرى «ستيفن روثستين»، عضو مجلس الإدارة المنتدب في منظمة «سيرس» غير هادفة للربح التي تركز على تطوير الاقتصاد المستدام أن المخاطر هائلة وتقدر بتريليونات الدولارات. وبعض هذا يأتي من تغير المناخ مباشرة مثل الأعاصير التي تدمر خطوط الإمداد على سبيل المثال أو الفيضانات التي تهدد عائدات المحاصيل المتوقعة. وتستطيع المؤسسات المالية أيضاً حصد منافع في العلاقات العامة بتقديم نفسها كمدافع عن تغير المناخ. فعلى مدار سنوات، طالب عدد متزايد من حملة الأسهم والمستهلكين والموظفين هذه الشركات باتباع نهج أخضر.
لكن عدداً من النشطاء والباحثين مازالوا متشككين فيما يعنيه تعهدات شركات التمويل الخاصة بالفعل. فالبنوك التي تباهت بتحركها ضد المناخ في قمة المناخ تلك كانت أيضاً من أكبر المستثمرين في الوقود الأحفوري، وفقاً لجماعة «شبكة عمل الغابات المطيرة» المدافعة عن البيئة.
*محررة صحفية متخصصة في شؤون البيئة والمناخ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»